ايليكم :تفسير سورة النساء
تفسير سورة النساء [85-88]
تتحدث هذه الآيات من سورة النساء عن الشفاعة الدنيوية، وأن العبد إن شفع فهو مأجور سواء قبلت شفاعته أم ردت، ثم بينت أدباً من آداب المجتمع المتمثل في إفشاء السلام، وبعد ذلك ذكرت أن كل بني البشر مجموعون لميقات يوم معلوم، ثم ذكرت مدى أهمية وحدة الكلمة وتآلف القلوب وخطورة أي خلاف، خاصة إذا كان بسبب من ليس له أي قدر عند الله كالمنافقين والعياذ بالله!
تفسير قوله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً... )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: (( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85] هذه الآية في الشفاعات الدنيوية، وهناك آيات تعد أصولاً في أبواب من أبوب الفقه، فمثلاً: أصلاً من الأصول في أبواب الحيل قوله تعالى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ [ص:44] وأصلاً في الحيل المذمومة: قوله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف:163] ، فهناك آيات تعد أصولاً في أبواب معينة. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85] فهذه الآية أصل في الشفاعات الدنيوية، فلم ترد الشفاعات الدنيوية في آية على التفصيل كما وردت في هذه الآية الكريمة. أما الشفاعات التي ذكرت في آيات أخر في كتاب الله كقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وكقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254]، وكقوله تعالى: وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ [الأنعام:70]، وكقوله تعالى: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18]، وكقوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]. فهذه الآيات وما على شاكلتها في الشفاعات الأخروية.......
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ....)
قال الله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] هذه الآية عامة وبعمومها أخذ فريق من أهل العلم كـزيد بن أسلم و سفيان بن عيينة وغيرهما فقالوا: حتى إذا سلم عليك كافر فرد عليه تحيته أو رد عليه أحسن من تحيته، واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، وبقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه:44]، وبقوله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] وبقوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف:89] ونحو ذلك من الآيات. ......
تفسير قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين .... سبيلاً)
خرج المنافقون للجهاد مع رسول الله في غزوة أحد أخذ ابن أبي بن سلول يخذل من خرج فرجع ومعه ثلث الجيش، فلما رجعوا مع عبد الله بن أبي حرموا ثواب الجهاد مع رسول الله، ولكن هذا الرجوع في الأصل هو من الله بسبب ما كسبوا من الذنوب. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آل عمران:155] ما السبب في توليهم ليس قوة ولا كثرة العدو، إنما بسبب ذنوب عملوها فكانت سبباً في فرارهم يوم أحد. ويقول بعض العلماء: إن الرماة لما كلفهم الرسول عليه الصلاة والسلام بألا يغادروا مكانهم في الجهاد ولا يتعدوه ولزموا ذلك انتصر المسلمون أول الأمر، فلما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالثبات وانقضوا على الغنيمة ودالت الدولة للمشركين فهجموا على أهل الإسلام، فقال فريق من الذين خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: أفر خير لي من أن أقتل وأنا عاص، ففر من القتال بسبب الذنب الأول وهو عدم امتثال أمر رسول الله بالثبات في الأماكن، فجاء ذنب عقب الذنب الأول، وجاء الفرار نتيجة عدم امتثال أمر رسول الله. وثم التماسات أخرى يلتمسها العلماء، والخلاصة: أن المعاصي سبب لزوال النعم، قال الله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، وقوله تعالى: وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88] تفيد أن الله ردهم عن الغزو مع الرسول بذنوبهم، لذلك لما قال الله لموسى وأخيه هارون: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه:43-44] بدأ موسى عليه السلام يطلب من الله أن يشرح صدره ويغفر ذنبه حتى يستطيع مجابهة هذا الظالم الأثيم. وكذلك طائفة طالوت لما برزوا لجالوت وجنوده طلبوا من الله أن يغفر لهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147] فالذنب يدمر الشخص أكثر من سلاح العدو، والطاعة تقوي الشخص أكثر من السلاح اليدوي الذي في يده. قال الله: فَمَا لَكُمْ [النساء:88] أي: مالكم يا معشر المسلمين. فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88] أي: مالكم يا معشر المسلمين في أمر المنافقين مختلفين إلى فئتين: فئة منكم -يا أهل الإيمان- تقول: نقتلهم، وفئة تقول: نتركهم. وهذا لما عاد المسلمون بعد أحد إلى المدينة، وتشاورا في أمر من رجع عنهم في الغزوة من المنافقين، واختلفوا فيما يفعلونه بهم، فقال فريق منهم: نتركهم لعلهم يهتدون، وقال فريق آخر: بل نقتلهم؛ لأنهم خذلونا، فالله عتب على المسلمين أن يحصل الخلاف بينهم بسبب هؤلاء المنافقين. والآية أيضاً فيها حث على الائتلاف وتوحيد الكلمة، وأن هذا الذي حصل ما كان ينبغي أن يحصل.
حكم رد التحية على الكافر
قال العلماء: إن صدرت تحية من كافر رددنا عليه تحيته أو أحسن من تحيته لقوله تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] بينما نازع في ذلك فريق قوي الوجهة من أهل العلم، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بسلام -وفيه- وإذا سلم عليكم فقولوا: وعليكم) وفي رواية: (إن اليهود إذا سلموا فإنما يقول أحدهم: السام عليكم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام: ومعنى السام: الموت والهلاك (فقولوا: وعليكم) فاستدلوا بهذا: على أن اليهودي أو النصراني إذا سلم عليك رد عليه بعليكم ولا تزد عليها شيئاً. ومن العلماء من ناقش هذا الدليل -وهو من ناحية الصحة ثابت وصحيح- فقالوا: إنه لا تعارض بين قوله تعالى: (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (وعليكم) لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (وعليكم) رد للتحية بمثلها، فلا تعارض بين الآية والحديث، وقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين واليهود، فسلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال بعض أهل العلم أيضاً: إذا تأكدت أن اليهودي قال: السلام عليكم رددت عليه تحيته، وعلل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان على اليهود عهده يلوون ألسنتهم كما قال الله تعالى: لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [النساء:46] فيلوون السلام بسام، فلا يكاد يتفطن الشخص لذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (فقولوا: وعليكم)، قال فريق من العلماء: فإن تأكدت أنه لم يلو لسانه جاز لك أن ترد عليه تحيته أو بأحسن منها. بينما اعترض آخرون وقالوا: إن الله قال على لسان موسى عليه الصلاة والسلام: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه:48] وأن السلام على من اتبع الهدى، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل رسالة إلى هرقل قال: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى،). هذا مجمل القول في ذلك وحاصله: أن هناك من العلماء من قال: إذا سلم اليهود أو النصارى أو الكفار علينا، فنرد بقولنا "وعليك" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سلم عليكم اليهود أو النصارى فقولوا: وعليكم)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم إذا سلموا فإنهم يقولون: السام عليكم فقولوا: وعليكم). ومن أهل العلم من قال: إذا تأكدت من صحة كلامهم رددت عليهم السلام بما قالوا أو زد عليه، لقوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، ولقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83] وللأدلة التي تقدمت.
أصل التحية والسلام
قال الله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86]: ما هي تحية المسلمين؟ تحية المسلمين: السلام عليكم. بدليل ما أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعاً ثم قال له: اذهب إلى هؤلاء الرهط الجلوس من الملائكة، فسلم عليهم وانتظر ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك، فلما أتى إليهم قال: السلام عليكم. فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله) وفي رواية (وبركاته) فكانت هذه تحية ذرية آدم. ومن ثم قالها موسى عليه الصلاة والسلام للخضر لما رجع إلى مجمع البحرين ووجده مسجىً بثوب أخضر فقال: (السلام عليكم. فقال له الخضر: وأنى بأرضك السلام -أي: أنت جئت من عند الفراعنة وأنى بأرضك السلام- فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟...) إلى آخر الحديث، فتحية المسلمين هي: (السلام عليكم) فإذا قلت لشخص: السلام عليكم فلك عشر حسنات، وإذا زدت السلام عليكم ورحمة الله فلك عشرون حسنة، وإذا زدت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فلك ثلاثون حسنة، والموفق من وفقه الله سبحانه وتعالى. يعني: كلمة واحدة لا تفرق المسألة، تدخل على قوم تقول لهم: (السلام عليكم) بعشر حسنات، ما هو الذي يحملك على أن تبخل على نفسك بعشرين حسنة أخرى، وتمتنع عن قولك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟ من ناحية الجواز الكل جائز، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148].
تفسير سورة النساء [85-88]
تتحدث هذه الآيات من سورة النساء عن الشفاعة الدنيوية، وأن العبد إن شفع فهو مأجور سواء قبلت شفاعته أم ردت، ثم بينت أدباً من آداب المجتمع المتمثل في إفشاء السلام، وبعد ذلك ذكرت أن كل بني البشر مجموعون لميقات يوم معلوم، ثم ذكرت مدى أهمية وحدة الكلمة وتآلف القلوب وخطورة أي خلاف، خاصة إذا كان بسبب من ليس له أي قدر عند الله كالمنافقين والعياذ بالله!
تفسير قوله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً... )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: (( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85] هذه الآية في الشفاعات الدنيوية، وهناك آيات تعد أصولاً في أبواب من أبوب الفقه، فمثلاً: أصلاً من الأصول في أبواب الحيل قوله تعالى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ [ص:44] وأصلاً في الحيل المذمومة: قوله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف:163] ، فهناك آيات تعد أصولاً في أبواب معينة. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85] فهذه الآية أصل في الشفاعات الدنيوية، فلم ترد الشفاعات الدنيوية في آية على التفصيل كما وردت في هذه الآية الكريمة. أما الشفاعات التي ذكرت في آيات أخر في كتاب الله كقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وكقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254]، وكقوله تعالى: وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ [الأنعام:70]، وكقوله تعالى: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18]، وكقوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]. فهذه الآيات وما على شاكلتها في الشفاعات الأخروية.......
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ....)
قال الله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] هذه الآية عامة وبعمومها أخذ فريق من أهل العلم كـزيد بن أسلم و سفيان بن عيينة وغيرهما فقالوا: حتى إذا سلم عليك كافر فرد عليه تحيته أو رد عليه أحسن من تحيته، واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، وبقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه:44]، وبقوله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] وبقوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف:89] ونحو ذلك من الآيات. ......
تفسير قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين .... سبيلاً)
خرج المنافقون للجهاد مع رسول الله في غزوة أحد أخذ ابن أبي بن سلول يخذل من خرج فرجع ومعه ثلث الجيش، فلما رجعوا مع عبد الله بن أبي حرموا ثواب الجهاد مع رسول الله، ولكن هذا الرجوع في الأصل هو من الله بسبب ما كسبوا من الذنوب. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آل عمران:155] ما السبب في توليهم ليس قوة ولا كثرة العدو، إنما بسبب ذنوب عملوها فكانت سبباً في فرارهم يوم أحد. ويقول بعض العلماء: إن الرماة لما كلفهم الرسول عليه الصلاة والسلام بألا يغادروا مكانهم في الجهاد ولا يتعدوه ولزموا ذلك انتصر المسلمون أول الأمر، فلما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالثبات وانقضوا على الغنيمة ودالت الدولة للمشركين فهجموا على أهل الإسلام، فقال فريق من الذين خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: أفر خير لي من أن أقتل وأنا عاص، ففر من القتال بسبب الذنب الأول وهو عدم امتثال أمر رسول الله بالثبات في الأماكن، فجاء ذنب عقب الذنب الأول، وجاء الفرار نتيجة عدم امتثال أمر رسول الله. وثم التماسات أخرى يلتمسها العلماء، والخلاصة: أن المعاصي سبب لزوال النعم، قال الله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، وقوله تعالى: وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88] تفيد أن الله ردهم عن الغزو مع الرسول بذنوبهم، لذلك لما قال الله لموسى وأخيه هارون: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه:43-44] بدأ موسى عليه السلام يطلب من الله أن يشرح صدره ويغفر ذنبه حتى يستطيع مجابهة هذا الظالم الأثيم. وكذلك طائفة طالوت لما برزوا لجالوت وجنوده طلبوا من الله أن يغفر لهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147] فالذنب يدمر الشخص أكثر من سلاح العدو، والطاعة تقوي الشخص أكثر من السلاح اليدوي الذي في يده. قال الله: فَمَا لَكُمْ [النساء:88] أي: مالكم يا معشر المسلمين. فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88] أي: مالكم يا معشر المسلمين في أمر المنافقين مختلفين إلى فئتين: فئة منكم -يا أهل الإيمان- تقول: نقتلهم، وفئة تقول: نتركهم. وهذا لما عاد المسلمون بعد أحد إلى المدينة، وتشاورا في أمر من رجع عنهم في الغزوة من المنافقين، واختلفوا فيما يفعلونه بهم، فقال فريق منهم: نتركهم لعلهم يهتدون، وقال فريق آخر: بل نقتلهم؛ لأنهم خذلونا، فالله عتب على المسلمين أن يحصل الخلاف بينهم بسبب هؤلاء المنافقين. والآية أيضاً فيها حث على الائتلاف وتوحيد الكلمة، وأن هذا الذي حصل ما كان ينبغي أن يحصل.
حكم رد التحية على الكافر
قال العلماء: إن صدرت تحية من كافر رددنا عليه تحيته أو أحسن من تحيته لقوله تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] بينما نازع في ذلك فريق قوي الوجهة من أهل العلم، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بسلام -وفيه- وإذا سلم عليكم فقولوا: وعليكم) وفي رواية: (إن اليهود إذا سلموا فإنما يقول أحدهم: السام عليكم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام: ومعنى السام: الموت والهلاك (فقولوا: وعليكم) فاستدلوا بهذا: على أن اليهودي أو النصراني إذا سلم عليك رد عليه بعليكم ولا تزد عليها شيئاً. ومن العلماء من ناقش هذا الدليل -وهو من ناحية الصحة ثابت وصحيح- فقالوا: إنه لا تعارض بين قوله تعالى: (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (وعليكم) لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (وعليكم) رد للتحية بمثلها، فلا تعارض بين الآية والحديث، وقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين واليهود، فسلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال بعض أهل العلم أيضاً: إذا تأكدت أن اليهودي قال: السلام عليكم رددت عليه تحيته، وعلل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان على اليهود عهده يلوون ألسنتهم كما قال الله تعالى: لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [النساء:46] فيلوون السلام بسام، فلا يكاد يتفطن الشخص لذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (فقولوا: وعليكم)، قال فريق من العلماء: فإن تأكدت أنه لم يلو لسانه جاز لك أن ترد عليه تحيته أو بأحسن منها. بينما اعترض آخرون وقالوا: إن الله قال على لسان موسى عليه الصلاة والسلام: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه:48] وأن السلام على من اتبع الهدى، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل رسالة إلى هرقل قال: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى،). هذا مجمل القول في ذلك وحاصله: أن هناك من العلماء من قال: إذا سلم اليهود أو النصارى أو الكفار علينا، فنرد بقولنا "وعليك" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سلم عليكم اليهود أو النصارى فقولوا: وعليكم)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم إذا سلموا فإنهم يقولون: السام عليكم فقولوا: وعليكم). ومن أهل العلم من قال: إذا تأكدت من صحة كلامهم رددت عليهم السلام بما قالوا أو زد عليه، لقوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، ولقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83] وللأدلة التي تقدمت.
أصل التحية والسلام
قال الله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86]: ما هي تحية المسلمين؟ تحية المسلمين: السلام عليكم. بدليل ما أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعاً ثم قال له: اذهب إلى هؤلاء الرهط الجلوس من الملائكة، فسلم عليهم وانتظر ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك، فلما أتى إليهم قال: السلام عليكم. فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله) وفي رواية (وبركاته) فكانت هذه تحية ذرية آدم. ومن ثم قالها موسى عليه الصلاة والسلام للخضر لما رجع إلى مجمع البحرين ووجده مسجىً بثوب أخضر فقال: (السلام عليكم. فقال له الخضر: وأنى بأرضك السلام -أي: أنت جئت من عند الفراعنة وأنى بأرضك السلام- فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟...) إلى آخر الحديث، فتحية المسلمين هي: (السلام عليكم) فإذا قلت لشخص: السلام عليكم فلك عشر حسنات، وإذا زدت السلام عليكم ورحمة الله فلك عشرون حسنة، وإذا زدت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فلك ثلاثون حسنة، والموفق من وفقه الله سبحانه وتعالى. يعني: كلمة واحدة لا تفرق المسألة، تدخل على قوم تقول لهم: (السلام عليكم) بعشر حسنات، ما هو الذي يحملك على أن تبخل على نفسك بعشرين حسنة أخرى، وتمتنع عن قولك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟ من ناحية الجواز الكل جائز، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148].